الأحد، 22 يناير 2012

Blogger: كويتي يـبـتـغي كـويـتــا افــضـل - حالة النشر

ناصر والقضاء!

على خلاف المعتاد في انتخابات مجلس الأمة، وعلى نحو غير متوقع، كانت أجواء الانتخابات خلال الأسابيع الماضية خالية من قضية سياسية محددة تدور حولها الحوارات والندوات الانتخابية. كنت أظن أن الحركة الاحتجاجية الشعبية وإسقاط ناصر المحمد وما يسمى بقضية "القبيضة" وكذلك فضيحة "التحويلات الخارجية" سوف تشيد سقفا عاليا يمكن أن نتداول تحته موضوع إصلاح النظام الدستوري باتجاه تقليص هيمنة الحكومة على مجلس الأمة وتعزيز مبدأ سيادة الأمة.. كنت أتوقع أن يتم طرح فكرة الرئاسة الشعبية للحكومة وفكرة منع الوزراء من التصويت في مجلس الأمة وفكرة الأحزاب أو الجماعات السياسية وفكرة كسر احتكار وزارات السيادة وغير ذلك من قضايا سياسية دستورية يترتب عليها تطوير جوهري، لكن يبدو أن الانتخابات في الكويت سوف تبقى معتمدة على البعد الاجتماعي المتمثل في "العلاقات العامة" أكثر من اعتمادها على البعد السياسي.

ولولا صدور حكم دائرة الجنح المستأنفة في قضية "الشيكات"، ثم قيام وزير الداخلية بإصدار قرار سياسي مخالف للقانون بحرمان الدكتور فيصل المسلم من الترشيح استنادا على حكم المحكمة، لاستمر "فتور" الانتخابات، إلا أن حكم المحكمة وشطب د. المسلم ساهما في إبراز قضية إصلاح القوانين المنظمة للقضاء، كما ساهما في إبراز فكرة محاكمة الشيخ ناصر المحمد بسبب موضوع "التحويلات الخارجية".

أما بالنسبة لإبراز قضية إصلاح القوانين المنظمة للقضاء فقد لمست شخصيا ومن خلال لقاءات واتصالات مع عدد من المرشحين وجود رغبة جادة في تقديم اقتراحات بقوانين الإصلاح القضائي في بداية دور الانعقاد الأول للمجلس القادم، بل أن اتصالات بدأت فعلا من أجل تحديد نقاط الإصلاح والتي من أبرزها وضع قيد زمني على الاستمرار في مناصب رؤساء المحاكم (الكلية، الاستئناف، التمييز، والنائب العام) بحيث لا تزيد على 3 سنوات غير قابلة للتجديد، وكذلك إصدار قانون فعال لمخاصمة القضاة، وكذلك استقلال المحكمة الدستورية عن القضاء العادي وقصر عضويتها على قضاة يتم تعيينهم بالاشتراك بين الحكومة ومجلس الأمة ولا تكون لهم علاقة بالقضاء العادي، وكذلك إصلاح وتطوير قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية على نحو يقلص سلطة النيابة العامة في الحبس الاحتياطي بحيث يخضعها لرقابة القضاء، وكذلك تقليص مدة الحبس الاحتياطي والحجز وإصلاح المخافر، والأهم من ذلك كله ضمان وتعزيز الاستقلال الذاتي للقاضي على نحو يحميه من أي تدخل في عمله من قبل أي طرف حتى لو كان رئيس المحكمة التي يعمل فيها.

أما القضية الثانية التي بدأت تأخذ مكانها في أحاديث المرشحين فهي قضية محاكمة الشيخ ناصر المحمد بسبب فضيحة "التحويلات الخارجية"، إذ أعلن أكثر من مرشح تعهده بالسعي لإحالة الشيخ ناصر إلى القضاء. إن محاكمة المحمد مستحقة بذاتها من الناحية القانونية كونها تتصل بأعمال مادية تجرمها القوانين الجزائية، إذ أصدر الشيخ ناصر المحمد أوامره بتحويل مبالغ مالية من الخزينة العامة وتسجيلها على حسابه الشخصي، وقد بلغ إجمالي ما تم كشفه نحو 70 مليون دينار خلال الفترة من العام 2006 وحتى العام 2011، وهناك وثائق رسمية موقعة تؤكد صدور تلك الأوامر، وقد أكد وزير الخارجية بالوكالة حينها علي الراشد قيام المحمد بتحويل تلك المبالغ، كما أقر بأن المحمد أعاد تلك المبالغ إلى الخزينة العامة، وبالطبع فإنه حتى لو تمت إعادة المبالغ فعلا، فإن هذا لا ينفي وجود الفعل المجرم ولا يعفي من العقاب ولا يسقط القضية.

كما أن محاكمة ناصر المحمد مستحقة سياسيا، لأن التغاضي عن "التحويلات" رسالة للمجتمع مفادها أن الشيوخ فوق القانون.. وهذه رسالة خطرة جدا. كما أن محاكمة المحمد مستحقة باعتبارها ورقة ضغط على السلطة نواجه بها انحرافاتها السياسية المحتملة خلال الانتخابات أو في المرحلة اللاحقة لها على نحو تضحى معه المطالبة بالمحاكمة المعادل القوي لردع السلطة في الحال وفي المستقبل. وهي في الأخير أفضل اختبار لجدية الحكومة الجديدة، التي تتشكل بعد الانتخابات، واختبار ما إذا كانت مجرد استمرار للنهج القديم في إدارة الدولة أم أنها بداية لنهج جديد.

إن محاكمة ناصر المحمد لا تحقق مكاسب للشعب فقط، بل لأسرة الصباح أيضا، إذ أن هذه المحاكمة ستكون جزء من عملية "التطهير الذاتي"، ولطالما تغنى بعض الشيوخ بالقانون.. والقانون، كما تعلمون، يسير في كل الاتجاهات!


17/1/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق